في العدد الأخير من مجلة الهلال كتب شعبان يوسف عن تراجع المجلات الثقافية المصرية وقال انه لولا الحرج لأسمي مقاله انهيار المجلات الثقافية المصرية.
وقدم استعراضا تاريخيا شاملا للمجلات الثقافية في مصر في القرن الماضي في العهدين الليبرالي وعهد الثورة, وعزا هذا التراجع إلي الانقلاب الذي شهدته مصر في مايو1971 ما تبعه من هجرة للمثقفين واستهداف للثقافة في عهد الرئيس أنور السادات. والحقيقة أن تراجع المجلات الثقافية أو أزمتها, له أسباب متعددة مركبة, منها ما له علاقة بأزمة المجلات في العالم, وعلي رأسها المجلات الثقافية, ومنها ما له علاقة بالمجلات المصرية عموما, وبتراجع الصحافة الورقية في مصر توزيعا ومضمونا.
فمنذ أسبوع صدر العدد الورقي الأخير من مجلة الآداب البيروتية التي كانت واحدة من أهم المجلات الثقافية والأدبية في العالم العربي. ومن قبلها أعلنت مجلة نيوزويك الأمريكية عن توقف النسخة الورقية. ومن يتابع مثلي المجلات العالمية المتخصصة في صناعة الصحافة سيجد ان بها موضوعا يكاد يكون ثابتا عن أزمة المجلات وعن الحلول التي لجأت إليها مجلات عريقة من اجل وقف التراجع أو الانهيار. وتكاد تكون مجلة نيويوركر هي الوحيدة التي تقف علي أقدام ثابتة في مواجهة أزمة المجلات.
وإذا كانت أزمة المجلات الثقافية المصرية ترجع إلي سبعينيات القرن الماضي عندما أوقف يوسف السباعي وزير الثقافة مجلات الكاتب والطليعة والفكر المعاصر والمجلة وغيرهم, فلابد من أن نذكر أن تسعينيات نفس القرن وبداية الألفية الجديدة شهدت عودة مصرية جيدة لصناعة المجلات الثقافية.
ولم يكن ذلك مقصورا علي القطاع الحكومي فقط بل صدرت في مصر مجلات ثقافية خاصة كان لها تأثير لدي النخب الثقافية العربية.
ففي عقد التسعينات كان لدينا مجلات ثقافية مهمة تصدر عن وزارة الثقافة المصرية منها: فصول التي كان لديها رؤية واضحة هي نشر المناهج النقدية الحديثة خاصة البنيوية, وذلك تحت رئاسة الدكتور عز الدين إسماعيل, ثم تحولت إلي مجلة ثقافية شاملة عندما تولي رئاسة تحريرها الدكتور جابر عصفور. وكان لدينا مجلة القاهرة التي رأس تحريرها غالي شكري وكانت مجلة تشتبك مع التيارات الرجعية ثم تم تحويلها إلي جريدة بعد وفاة رئيس تحريرها, وكانت لدينا ولا تزال مجلة إبداع في حقبها المختلفة من عبد القادر القط وحتي احمد عبد المعطي حجازي لكنها أكتسبت شهرتها وموقعها تحت رئاسة الأخير بسبب الطبيعة المحافظة للدكتور القط الذي كان يمنع نشر قصائد النثر.
وعلي الجانب الأخر كان لدينا مجلات أخري خاصة منها مجلة سطور التي كانت تصدر عن دار سطور برئاسة تحرير الدكتور فاطمة نصر, وكانت مجلة ثقافية بالمعني الواسع للكلمة وساهمت في بروز أسماء جديدة في الكتابة الثقافية وفي النقد الادبي والثقافي. وكانت هناك أيضا العصور الجديدة التي كان يشرف عليها الشاعر مهدي مصطفي وكانت مجلة ثقافة متعددة المستويات, ثم صدرت الكتب وجهات نظر التي رأس تحريرها الكاتب الصحفي الكبير سلامة احمد سلامة وتبعه في المنصب الكاتب الصحفي أيمن الصياد وكانت تريد أن تحاكي مجلتي نيويورك ريفيو أوف بوكس ولندن ريفيو أوف بوكس. وقبل كل هذه المجلات كان لدينا مجلتان تصدران من باريس هما المنار التي رأس تحريرها أمير اسكندر وفكر التي رأس تحريرها طاهر عبد الحكيم لكن كل هذه المجلات توقفت عن الصدور لأسباب لم تذكرها جهات الإصدار, وان كان السبب قد يرجع إلي تردي التوزيع واهتمام القراء بالشأن السياسي الذي اختص بالجزء الأكبر من ميزانيتهم المخصصة للقراءة, حيث ذهب القراء إلي صرف هذه الأموال علي شراء الصحف الخاصة التي غفل معظمها عن تخصيص صفحات للشأن الثقافي.
ولم يعد لدينا مجلة واحدة تصدر عن القطاع الخاص سوي الكتابة الأخري التي يصدرها هشام قشطه بمجهود فردي وهي تعيد الي الأذهان ظاهرة مجلات الماستر التي انتشرت في السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي وكان لها دور مهم في الثقافة المصرية.
ولا ننكر انه في الهيئة المصرية العامة للكتاب, هناك نية لتطوير المجلات التي تصدر عن الهيئة, فتطورت مجلة فصول بعد أن تحولت إلي مجلة ثقافية جامعة مع تولي الدكتور محمد بدوي مسئوليتها, وأصدرت عددين رائعين عن الثورة المصرية من المنظور الثقافي, وأعاد إصدار مجلة المجلة لكن مع فارق كبير في المستوي والمحتوي بينها وبين المجلة الأصلية. واصدر مجلة جديدة من المفترض أنها للشباب وهي وصلة ولكنها لم تحدث التاثير المطلوب منها. ومازلت باقي المجلات تصدر وهي إبداع وعالم الكتاب والفنون الشعبية ولكن شواهد الأمور تدل علي أن تأثير المجلات انخفض إلي حده الأدني, وتوزيعها يبدو انه مازال منخفضا عدا فصول التي تنفد من الأسواق. كذلك حدث تطور كبير في مستوي مجلة الثقافة الجديدة التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة مع تولي الروائي حمدي أبو جليل مسئوليتها, ولكن الفترة التي مرت منذ توليه المسئولية غير كافية للحكم النهائي علي المجلة.
وكل هذا يجرنا إلي نقطة مهمة حول معايير نجاح المجلة الثقافية وظروفه, فهناك من يري أن نجاح المجلة مرتبط بما فيها من مادة ثقافية, وهناك من يري أن النجاح يرتبط بعدد النسخ التي تباع منها, وهناك من يربط النجاح برئيس التحرير, ولكن كل هذه نقاط جزئية, ذلك أن التجارب السابقة الناجحة للمجلات الثقافية في مصر تدل علي أن النجاح يرتبط بعدة عوامل ومعايير: منها ما هو خاص بالدور الاقليمي المصري وهل مصر تريد أن يكون لها دور أم لا. فالمجلات نجحت في فترة كانت مصر تمارس دورها في ريادة العالم العربي, وهو ما انعكس في تأثير المجلات الثقافية المصرية علي النخب العربية.
فما من مثقف عربي كبير إلا وذكر في سيرته الذاتية ما قامت به مجلة الرسالة أو الهلال او الكاتب المصري من دور في حياته ونشأته وتثقيفه. ثم نجحت المجلات في فترة كان لمصر دور قومي انعكس علي موضوعات المجلات, وكان ذلك في ستينيات القرن الماضي ولكن مع رغبة مصر في الانحسار تراجعت المجلات أو اختفت أو انهارت.
ونجاح المجلات الثقافية المصرية يرتبط أيضا بالمناخ السياسي والفكري في مصر, لأنها تعبر عن حراك ثقافي وجدل يعتمل في جسد المجتمع وبحث عن إجابات لأسئلة كبري تتعلق بالهوية والدور, ومن يضع المجلات الثقافية المصرية الكبري في مناخها السياسي والفكري المصري لن يجد اي عناء في إدراك أنها لا تنفصل عن هذا المناخ. وهذا العامل بالذات يمكن ان يعطي لنا مؤشرا حول أن المناخ الراهن يمكن أن يكون فرصة لان تستعيد المجلات الثقافية المصرية بعضا من رونقها وزخمها.
كذلك يرتبط نجاح المجلة الثقافية بادراك المسئولين عنها أن لها دورا ورسالة لابد وان ينعكس علي سياستها التحريرية. فاي مجلة ثقافية مصرية حققت نجاحا, سواء داخل مصر أم علي مستوي الوطن العربي كانت تقوم بدور أو رسالة إقليمية أو وطنية, وهو الأمر الذي يفسر أسباب نجاح مجلة بطاقم تحرير محدد وتراجعها مع طاقم تحرير آخر, وهذا الأمر يفرض علي الجهات التي تصدر المجلات أن تفرض عليها البحث عن الدور وبلورته في سياسة تحريرية واضحة. خاصة وان المنافسة حاليا أصبحت قوية ومحتدمة بين المجلات المصرية وأخري عربية منافسه لها مثل العربي الكويتية ودبي الثقافية وتراث الإماراتيين والدوحة وتبيين القطريتين ونزوة العمانية والعربية والدارة السعوديتين والكرمل الفلسطينية التي تصدر من رام الله, والقاهرة بالتوازي. ويجب الا نغفل عن واحد من أسباب إصدار معظم هذة المجلات هو سحب بساط الريادة من الثقافة المصرية