بقلم : جوتيار تمر
القصيدة استهلت ب( أنا؟) وأنا ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ من حيث الدلالة اللغوية،وما يبتدئ به المرء به يكون دائما ذا قيمة استثنائية من حيث الطرح،
وكأنه يطيح بما سواه، ويصور لنا الأنا الداخلية بدقة، لامتناهية، فتبرزها وتعلي شأنها،وهي بلاشك أنا صادرة من موضع الثقة والقوة،والمعرفة التامة بالذات الداخلية الباحثة الساعية لإيجاد الفرق بينها وبين الأنا الخارجية، ومن ثم بينها وبين الذوات الأخرى.
وهذا ما أجبرنا على الغوص في تلك الأنا من حيث المدلول المتمثل في الطبع والشخصية لكونهما فضاءين واسعين من خلال سمائهما يزخر كون الشاعرة بالمعاني والمغزى الفكري واللفظي لكلماتها، باعتبارها لا تمتثل أبدا لازدواجية عاتية، وهذا ما تؤكده بداية القصيدة حين تقول:
أنا بنقاء الملائكة
بروح مشعبة
بعشق الهي
حيث يتضح لنا ان الشاعرة لم تستطع أن تعزل روحها بين القصيدة وبين حركتها الذاتية، لأنها بلاشك تدل ضمنيا أن الكلمة، القصيدة ليست إلا امتدادا روحيا لأعماقها، وإلا لكانت ترتمي القصيدة بين مدارج المرصوفات النظمية لا أكثر ولا أقل، ومن أجل هذا التواشج المستمر والتمازج نجدها تدخلنا إلى المداليل العميقة لهذه العلاقة الثنائية:
أتدثر بوشاح ثلجي ناصع
أتوضأ بدموعي
أسجد خاشعة
أمام مقصلتي
" وأصلي صلاة العاشقين
صلاة الكفر"
ليس سهلا أبدا الحكم هنا على الشاعرة دون معرفة المزاج الشخصي القائم على الطبع أساسا، وكذلك دون إدراك التلاحم الصوفي والترابط النقي بين مدلول الصلاة هنا وبين الثلج من جهة، وبين لفظة الكفر من جهة أخرى، حيث من خلال هذا التلاحم الأسطوري الصوفي يتراءى جليا لنا قيمة الطبع والشخصية للشاعرة، فباستعارتها للحلاج أدخلتنا قسراً إلى أجواء الطبع الإنساني وشخصيته وعقيدته، خاصة إذا علمنا بأن الشاعر في مرحلة الاتصال الشعري يدخل حالة تصوفية كاملة،فالطيع ليس إلا مجموعة استعدادات فطرية تؤلف الهيكل النفسي للإنسان، وما جاء هنا يفسر هذه الحالة حيث إنها أظهرت طبيعتها النقية،ولكن لتكتمل الصورة ولا تبقى بوجه واحد كان لابد لها أن ترينا الوجه الآخر للوجود فقالت:
وأنت بدهاء الشياطين
بروح مشبعة بالظلام
أتت لتؤكد أن تماثل الروح هنا مستحيل، وتماثل الطبع مستحيل، وأن شخصية المرء هي التي تحوي في داخلها الطبع،وبما ذلك من كل عنصر مكتسب في استمرارية الحياة والتي تؤثر بلاشك على تخصيص طبع الإنسان مما يجعلنا نؤمن بكون كل ما ينتمي للحياة النفسية نابعا من الشخصية لكونها المجموع العياني للأنا، والذي ليس الطبع إلا صورته الثابتة ، فهي تعيش روحا مشبعة بالعشق، والانتماء، وعبقة بنقاء الرؤية للعلاقات الإنسانية مع الآخر ومع الانتماء، وهو يتجسد هنا نقيضا تاما بل مسخا بملامح إنسان:
تسجد أمام
عتبة الدعارة
والفساد
وتتمرغ في وحل
قزم عاهرة
وتقضي بقية عمرك
منحنيا
ذليلا
راكعا أمام دناءتها
وكأني ب(أرخوان) تريد رسم الملامح الشخصية للآخر، وتظهر لنا مدى تناقض وتنافر الأجزاء فيها، حيث اشتمل هذا التنافر والتناقض رؤاها الشخصية سواء أكانت رؤى نابعة وجود الآخر، أو للانتماء،وذلك من خلال إعلان هذه الصفات السلوكية للآخر، ولتبرهن تفوقها، وهذا التفوق أوجب الحراسة المتمثلة بحماية مكنونات الإنسان واعتقاداته، وكأنها تريد أن تقول لنا إن لكل إنسان طبع ثابت، وإن الإنسان ليس واقعاً مرناً يمكن صوغه على هذا النحو أو ذاك على السواء، هي تتوضأ بدموعها لتسجد خاشعة وهر ترى المقصلة تنتظر رقبتها، متحدية جبروت الوجود لتحافظ على انتمائها النقي، وهو يسجد أمام عتبة الدعارة ويبقى منحنيا ذليلاً، ربما أتت الإشارة هنا متأخرة عن كون معد المقصلة هو المعني بالآخر وهذا ينقي أكيد أي ترابط عاطفي، إنما هو من صلب الانتماء، وأرخوان تريدنا أن نعلم بأن من يخضع للفساد والدعارة وشهوات النفس، إنما هو سليل الظلام ولن يكون إلا وصمة عار على جدران الانتماء.
اوروك الجديدة