05-02-1434 01:11
عدنان ابو زيد "فنون الخليج"
إقام التشكيلي العراقي قاسم الساعدي معرضه الأخير صباح الخير يا بغداد في
أمستردام الذي احتوى الكثير من الاعمال المتنوعة في المواد المستعملة أو في
الرؤية الفنية، اللوحات الزيتية، الورقية، النحت، ثلاثية الابعاد اضافة
الى الكثير من قطع السيراميك، بمشاركة الفنانة الالمانية برجيت رويتر حيث
يلمس زائر المعرض جدلاً فكرياً وفنياً بين تجربتين مختلفين.
عن التشكلات الأولى، الطفولة والدراسة، التأسيس والهجرة، الاغتراب والمنفى،
وأسئلة أخرى تتعلق بتجربة هذا الفنان الدؤوب دارت أسئلة هذا الحوار.
ما تبقى من أيام الطفولة والدراسة؟
ذات يوم وحينما كنت في السنة الاخيرة باكاديمية الفنون الجميلة ببغداد،
كانت لدينا حصة بدرس الرسم التخطيط، وكان مدرس المادة الاستاذ الكبير حافظ
الدروبي، الذي وضع بساطا عراقيا مزخرفا على كرسي، وطلب منا رسمه بالابيض
والاسود ثم ترك قاعة الدرس.. وجدت حينها ان قيمة البساط تكمن في الوانه
وزخرفاته اساسا، اضافة الى الشكل الذي صاره وهو على الكرسي، وهو اقل اهمية
بالنسبة لي. كانت اعادة رسم الزخارف ودرجات الالوان وبالابيض والاسود عملية
اشبه بالمستحيلة في ظل محدودية وقت الحصة..قمت بما يلي رسمت رجلا وامرأة
بخطوط خارجية مرهفة في لحظة حب شعرية عالية الاندماج، وهما يضطجعان على
بساط، ذات البساط موضوع الدرس و الذي اظهرت منه قطعة صغيرة اشتغلتها بصبر
وتأن كبير..
وفي لحظة مغادرتي قاعة الصف، وبينما كنت الملم ادواتي، جاء استاذنا
الدروبي، لينظر الى عملي، ومن ثم لنتبادل النظر بهدوء واحترام كبير وسط صمت
الطلبة وانتظارهم لنتيجة عملي وما يمكن ان يكون عليه رد الاستاذ..لم اقل
شيئا ولم يقل الاستاذ شيئا..وحينما خرجت لاجلس بباب قاعة الدرس لادخن، جاء
زميلي خالد عبد الوهاب فرحا، وقال لي يقول استاذ حافظ بان ما قمت به جائز
وممكن، وقل لقاسم بانه سيكون.. يصير فنان لا انكر فرحي حينها، فهي شهادة
كبيرة اعتز بها من استاذ وفنان كبير بقامة حافظ الدروبي، لكني كتمت فرحي
وقلت لخالد بثقة نعم ساصير … هذا درس حداثوي بامتياز، فيه الكثير من حداثة
الرؤية وحداثة العمل الذي سينتقل الى اجيال اخر، لكنها تتمتع بمغزى كبير في
سياق بحثنا لماضي الحداثوية العراقية القريب.
اشكاليات العودة الى الجذور… كيف تراها فناناً مغترباً؟
يحمل المنفي وطنه كما يحمل الحلزون قوقعته الحبيبة، فهي بيته، خيمته
الحجرية التي يفرشها بوجوده ووجدانه، تحتويه ويحملها انى كان… وهذا ما كان
معي حتى منذ المنفى الاول.
حينما كنت صغيرا، وجدتني اجري وراء فراشة باهرة الالوان، ظلت تلك الفراشة
تنأى حتى ابتعدت كثيرا عن حينا..هي ذات الفراشة التي كانت ترفرف لي
باجنحتها، وتدعوني لاتبعها، هي ذاتها التي اخذتني عبر بلدان كثيرة بثلاث
قارات.. الوطن مادة كالورد والاعناب، ويمكنك استعارة مهنة العطار لاضافة
بعض العناصر الاضافية عليه و ومن ثم لتخميره وتقطيره مرة، مرتان وثالثة حتى
يصير بما تشتهي له ان يكون.. الوطن مادة روحانية بالمقام الاول، تعمر
بالحب وخلق ما لم يخلق من صيغ العبير عن معادلة الحب المستحيل..
في عام 1971، وكنت لا ازال حينها طالبا في الصف الثاني باكاديمية الفنون،
اثناء اعتقالي في قصر النهاية، بالحبس الانفرادي، وحيث لا صحيفة ولا كتاب،
ولا اي من وسائل الاتصال بالعالم الخارجي وبينما كانت جروح الجسد لم تبراء
بعد، كان صوت ناظم الغزالي باغانيه العذبة، يصلني من اذاعة معرض بغداد
القريب من قصر النهاية..تلك كانت مفارقة وطن، تختلط عند عتبتها ما يمكن
تسميته وما يستعصي على التوصيف.. الحرية حرية الكائن حرية اللوحة هو نسيج
لايمكن افتكاك سداه عن لحمته.. اللوحة تشي بك وتفضح اسرارك كما يفضح العاشق
عشقه.. الحلزون لايستطيع استبدال صدفته باخرى.. انا سعيد بمكاني الهولندي،
لاني ومنذ عشرين عاما اشعر باني حر لاول مرة في حياة تجاوزت الستين. وطن
الفنان هو الحرية، لكني ازحم بافكار تشكيلية وغيرها لبغداد قل البلاد، و
ساعود لاقامة معرض لاعمالي هذا الربيع.
الحوار مع الآخر
علاقتك بالفنون الاخرى وعلاقاتك الفنية والثقافية بفنانين ومثقفين آخرين والبناء عليها لتشكيل صوت ثقافي؟
تأتي الفكرة حاملة معها مادة تشكلها وتخلقها. فكما سيعد خيانة تجاهل تلك
الفكرة، بمعنى واءدها، سيكون اهمال المادة المقترحة للتنفيذ هو خيانة ايضا،
وكما لا تصلح بدلة الرفيق ماو للجميع فان لكل رؤية حرية التحقق ومادة
الوجود التي ستتمظهر بها. اعمل مع تقنيات كثيرة، غرافيك، نحت، رسم بالالوان
المختلفة، كولاج، سيراميك حديد، نحاس، ورق..الخ. اتعلم كثيرا واعمل اكثر.
ابعد من المعارض الشخصية، اعمل واعرض مع فنانين كثر ومن ثقافات مختلفة
عراقيون، شرق اوسطيون، اوربيون وغيرهم. انا عضو في العديد من الجمعيات
الفنية المتخصصة. الحوار مع الاخر ينشط هواء الاختلاف والاتفاق ويدعو الى
عقد مراجعات للكثير من الافكار والقيم الفنية.. عزلة الفنان وتركيزه على
عمله هو امر حيوي، لكن عزلته ليست جزيرة خارج الجغرافيا.. للثقافة طاقة
هائلة لتغيير العالم بقدر قدرتها على جعل العالم فضاءا يصلح لاقامة البشر…
وبذات الافق قدرة المثقفين على ان يتحالفوا مع احلامهم الشخصية التي تتشابك
جذورها واغصانها مع جذور واغصان اشجار الغابة العظيمة. يبداء عصر الانحطاط
بكل مفرداته، حينما يقترف المثقف خيانته، وحين يبيع الفنان فرشاته او
يؤجرها لطاغية مستبد، والعكس صحيح ايضا، اعني كيف لطاغية ان يصدق نفسه بدون
مهرجين، مداحين او حواة؟ . الامل سيكون كلمة عائمة في الهواء مالم تهياء
له عوامل الاستنبات على الارض.. اعتقد بان العمل والعمل المشترك و الحوارات
يمكن ان تمنح الامل قدرة التجذر والكائن قدرة الطيران. مستوى الطيران يحدد
خط الافق
كيف ترى صورة الفن والتشكيل العربي في الفنون الغربية؟
يعتمد الحضور التشكيلي العربي في العالم على الفعالية الفردية للفنان، على
جهده ومثابرته الشخصية، وقدرته على كسب الضوء اللازم لانارة تجربته
وتقديمها للآخر.. المؤسسة الثقافية العربية بشكل عام، ما تزال متخلفة
بالوقوف الى جانب التجارب المتميزة والواعدة.. اذ لم نشهد تكرارا او اضافة
على تجربة معهد العالم العربي بباريس، في بلدان اخرى، بالرغم من هنالك
الكثير من التحفظات على سياسة العروض في هذا المركز والتي تصر على استبعاد
حضور الفنان العراقي فيها، الا ما ندر..
استطاع بعض الفنانين اثبات حضورهم بالعرض في متاحف وغاليريات هامة، كما
استطاع منهم دخول سوق الفن. ومنهم من يحرص اصحاب المجموعات على اقتناء
اعمالهم ومتابعة تجاربهم عن كثب..كما استطاع البعض خطف الاضواء والاهتمام
الاعلامي ايضا.. لكن ذلك لم يكن بدون جهد كبير ومثابرة عاليين، لتحقيق حضور
في بلدان صنعت تجربة الحداثة التشكيلية العالمية وتزخر بالكثير من كبار
الفنانين وبافضل اكاديميات الفنون في العالم، ناهيك عن امتلاكها لما لا يعد
من المتاحف وصالات العرض التشكيلية، اضافة الى المؤسسات الثقافية والفنية
المتخصصة.. ومع اننا نبيع الماء في حارة السقائين، الا ان الكثير من الناس
بداءوا يقبلون علينا للارتواء بما لدينا .
يقيم ويعمل في هولندا مثلا اكثر من خمسين فنانا تشكيليا من مختلف الاجيال، وهم يشقون طريقهم بظروف ليست سهلة او هينة.
وامس اتصلت بي سيدة هولندية، تدير مركزا فنيا محترفا، وترغب في اقامة معرض
جمعي للفنانين التشكيليين العراقيين وعلى افضل مستوى، كما تلقيت شخصيا
دعوات من كاليريات مهمة ومتاحف لاقامة معارض فيها.
الإنسان أرخص سلعة
هل تتفق مع ما يتردد بشأن الردة الثقافية في الوطن العربي؟
هنالك اسباب كثيرة لتراجع المشروع التنويري العربي، لعل من ابرزها الصراع
العنيف بين القوى التي كان يفترض بها ان تكون اساسا لهذا المشروع، مقابل
التنامي المضطرد لقوى مضادة له، والتي تدور في فلك القوى الاقليمية
والعالمية الكبرى المؤثرة على ادارة الصراع.. ما تزال السيوف تطيح بالرؤوس
والعقول لصنع متاهات متداخلة افقيا وعموديا، الامر المؤكد فيها هو الضياع
واعلاننا كاءمة ليست فائضة عن الحاجة فحسب، بل وتستحق الطرد من حاضر
ومستقبل البشرية..يبدو ان جدارة بقائنا الوحيدة هي قدرتنا على ان نكون
فئران اختبار، في سيرورة تحولات تسفر عن صناعة كائنات جديدة مركبة الشكل من
الفئران، الخراف ونوع من العظايا الزاحفة اللزجة، نفطية الرائحة اسفلتية
القوام.. لغتها تمتمة وخوائها نشيد.. هذه بعض ملامح الردة الثقافية، وان
شئت اكثر، فسيتم التخلي عن المواد المعروفة لصناعة التماثيل حجر، برونز،
خشب..الخ لكي تستعاض بمادة البشر انفسهم، لرخصها ولمرونتها العالية وقدرتها
على صنع حركات واشكال حسب الطلب، وستنافس الانظمة بهم كل ما صنعه الرومان
والاغريق والمصريين والعراقيين من تماثيل وانصاب، واحذق مما يمكن ان تشاهده
في الساحات السياحية الاوربية من اشخاص يموهون انفسهم ويتماهون مع شخصيات
وكائنات اخرى.. فلا ارخص من الانسان لدينا فلم الانفاق على مواد اخرى؟..
ومن لا يرغب بمصير كهذا، فليري عرض ظهره للسلطات لكي تضع عليه ختم المغادرة
النهائية..
الماءزق هو حينما تضع السلطة نفسها بتناقض مع الثقافة، وحينما يتنازل القلم
للسيف وحينما تفقد الثقافة جاذبيتها..حينها سيتطاير كل شيء في اللا مكان
ويفقد مداراته.. الناس، الاشياء، الاشجار تسير على رؤوسها، ما لم يتم تصحيح
المعادلة و وذلك امر ممكن ولكن يتطلب عملا جبارا لتصويب مسار الثقافة،
الجمهور، الحكم ووضعهم في المدار الصحيح..
ما هي محتويات متحفك الشخصي؟
تنفتح نوافذ المرسم على مشهد بمختلف الاتجاهات، حيث تتسرب اضافة الى الضوء
والهواء اصوات الحاضر واصداء الماضي باتجاه الفنان. وبينما يكون هوهي، بؤرة
تتجمع عندها العناصر، يجري بعدها تمثل لكل اطياف هذا المؤثرات، لتعاد
عملية انتاجها وتوجيهها الى الخارج. هذه النوافذ لابد لها ان تظل مفتوحة،
فليس من الاخلاقي اغلاقها او مواربتها، لان اغلاقها من قبل الفنان سيسبب
اختناقه بأناه… او من قبل اية سلطة خارجة عنه سيصيب الدورة الدموية للشعب
بالخراب، او فقر الدم الذي سيؤدي الى فقر الروح، فالموت..
للفنان متحفه الشخصي الفكرة لاندريه مالرو يؤثث فيه مقتنياته، لقاه
ومنتجاته الشخصية التي تشتغل هي الاخرى لتكون عناصر مستقلة في سياق التجربة
و ترسل اشعاعاتها بذات الوقت مع بقية العناصر و قديمها وجديدها لتخلق
حاضنة لاعمال وافكار جديدة الفنان يقلد نفسه بيكاسو …ثمة اشتغال لا يتوقف
للعناصر التي تتاسس، تنمو وتتطور وبل تتغير ايضا حسب مآلات الفنان وتطور
تجربته البصرية. اصوات السوق، المصانع ونداءات البحارة والزراع… صوت
المغني، صوت الله، صوت الانسان، صوت من لا صوت لهم، ما يرى او يحس، ما يلمس
او ما يحدس كلها تأتي من النافذة او الباب، لكنها تأتي ايضا من روح الفنان
ووجدانه، بعد ان تنعكس على موجودات متحفه وضميره الوجودي، وعيه او لا
وعيه.. انتاج واعادة انتاج لا تكف عن الحدوث. ذلك ما يصنع اللوحة، القصيدة
او ماشئت من ادوات التعبير.
بداءت علاقة الفنان بالسلطة، وبالتالي بالسياسة، منذ بناء اول مبعد، ومنذ
تشييد اول قصر لكاهن او حاكم، اذ لايمكن للطقس الديني او ممارسة السلطة ان
يكونا كذلك دون، رسم و نحت، رقص و ايقاعات او مشهدية تتاثث بديكورات
ضرورية.. منذ ذاك كان دور الفنان جزءا من المشهد، ولكنه ناضل كثيرا من اجل
الاستقلال عن ذلك واستعادة مايمكن من حريته، ليكون السوق الحر، بعد ذلك،
رغم شروطه القاسية، بديلا عن تلك الالحاقية المريرة، والتي كانت تحد من
حرية الفنان وقد تقوده الى كوابيس موحشة، كما راءيناه بتجربة الفنان
الاسباني غويا . ثمة اصطفاف مع القوى الاحتماعية الفاعلة، يمينها ويسارها،
الحكام والمحكومين، ولدينا بهذا الصدد الكثير من الامثلة موقف سلفادور دالي
اليميني والمؤازر لفرانكو، مقابل موقف مواطنه بابلو بيكاسو الذي اصطف مع
الجمهوريين وادان مجازر فرانكو، ولوحته الرائعة الجرنيكا شاهد اكثر بلاغة
وشهرة واصبحت رمزا عالميا للتضامن الانساني بوجه الحرب والدمار الذي
تسببه.. الامر الذي دعا ممثلي الدول الذين اجتمعوا في مبنى الامم المتحدة
عشية اعلان الحرب على العراق، في التسعين، الى تغطية نسخة اللوحة المعلقة
على جدار الصالة التي اعلن فيها قرار الحرب و سترا للفضيحة؟ .
وسواء في العراق او في سواه من بلدان الشرق الاوسط، كان الفنان يوضع في
منطقة المشكوك بولائه، ومنهم من سجن وعذب، وشخصيا كنت احد هؤلاء، وهنالك
فنانون استشهدوا تحت التعذيب ومن تم اغتيالهم، او مطاردة عوائلهم.. ولذا
فانك ما زلت تجد خيرة ممثلي الفن والثقافة العراقيون، في منافيهم، ومنذ عدة
عقود.. ايضا الكثير من المبدعين الذين حوصروا في داخل البلاد.. مقابل من
اختاروا ان يكونوا في الضفة الاخرى اي ضفة الحكم ..
هواء الحرية شرط حاسم للفن.. الحرية لا تمنح القدرة على الاختيار فحسب بل
تتيح امكانيات غير مسبوقة في اكتشاف وسائل وحلول لمعضلات قديمة ومستجدة،
اختيار وسائل الابداع وتطويرها تقنيا ومحتوى، اتجاهاته وانتماؤه على قاعدة
الاخلاص للذات اولا، للفن وبتكثيف عال الاخلاص للعالم.
شاعر القبيلة
في حروب الانصار، وهي ليست بعيدة عن التجربة العراقية ايضا، كان الفنان
يمنح من قبل رفاقه بعضا من الوقت الجمعي، وقد يقومون باداء بعض الاعمال
الروتينية بدلا عنه، كي يتفرغ لانجاز بعضا من اعمال الفن.. فما الذي كانوا
ينتظرونه منه؟ الا يمكن اعتبارهم مساهمين بمعنى ما بعمله، على مستوى القيمة
الاستثمارية الفنية والحياتية؟ هل سيعيدنا ذلك الى فكرة شاعر القبيلة؟ ام
اننا بازاء مستوى آخر ابعد من ذلك؟ هل سيضع ذلك مسؤولية اضافية على عاتق
الفنان، باي معنى وحجم؟ اين تقع الشراكة وكيف يمكننا صياغة معنى هذا العقد؟
واي شكل سيقترحه لقاء الانا مع الآخر..الى هذا الحد تكمن ضرورة الفن؟..هذه
الاسئلة واجتها شخصيا، وكانت الاجابة العملية هي في انجاز ما اعتقده شخصي
جدا، ذاتي جدا، مخلص جدا لعناصر متحفي الشخصي، لمراياه ولنوافذه المشرعة
دائما.. لم اغشهم او احاول التقرب منهم بنوع من الغزل الفكري، حسبي ان اكون
حقيقيا وصادقا معهم، مع نفسي اولا…
ما جديدك.. آخر أعمالك؟
هنالك الكثير من الافكار والمشاريع والتخطيطات..آخر ما انجزت معرضان، الاول
بعنوان صباح الخير بغداد ويقام على فضاءات متحف خاودا بمدينة خاودا
بهولندا، و »عرض مواز له اقيم في كاليري فرانك فيلكنهاوزن بمدينة اوترخت
بهولندا ايضا.. استعد لمعرضين احدهما ببغداد، وسيقام على فضاء المتحف
الوطني ببغداد، ومعرض مشترك مع فنان آخر بكاليري في امستردام وسيقام
الاثنان في مدى ربيع 2013، ولكني استعد لمعارض اخرى مثبتة على الاجندة
ايضا..
ــ كيف الوضع الثقافي العراقي والعربي.. بين التشكيل والإعلام؟
لا تزال الثقافة بمعناها الحقيقي تخطيطا، برمجة وآليات في آخر سلم الخطط
الحكومية العربية، ان كان ثمة خطط تنموية تذكر، والاستثناءات نادرة كانشاء
بعض متاحف الفنون في دولة الامارات وقطر..قد تجد في لبنان ورشة عمل تشكيلية
مؤسسة اشكال الوان ، بيينالة في الشارقة، مهرجان متخصص للموسيقى في فاس
بالمغرب..
دول الربيع العربي وبسبب نوعية القيادات السياسية التي خطفت السلطة، لا
تزال بعيدة في اهتماماتها عن الشاءن الثقافي، وكاءن على قطار الحرية
السياسية ان يصل الى كرسي الحكم كمحطة اخيرة.. رغم ان فعل التحولات ساهمت
فيه قوى كثيرة ومختلفة الاطياف، ومن بينهم مثقفون، فنانون وادباء، الذين
تركوا في مرحلة ما بعد الانتصار الى معضلاتهم القديم والى تجرع كاءس
الاهمال مرة اخرى…
ثمة جلد وصبر كبير يبذله المثقف والمبدع في بلاد قاربت ميزانيتها مائة
مليار دولار، كالعراق، انتظارا لتعديل الوضع الشرطي الذي يحكم الاليات
المؤثرة في العملية الاجتماعية، وبما يضع الفكر، الثقافة والفن في السياق
الصحيح. الاقامة عند حافة الامل..حافة الالم، لا تتيح لاليات العمل الثقافي
بان تلعب دورها التاريخي، ذلك لانها تكاد تكون في حكم المعطلة..
المهرجانات الطارئة والاحتفالات العابرة لا تؤسس لخطة عمل تراكم منجزاتها
وصولا الى كيفيات تسمح بالتقدم والتجاوز.
نحن الان في عصر التلفزيون والقنوات الفضائية الادوات الاثيرة لتمرير
اديولوجيا السلطة الراهنة او تلك التي في طريقها للحكم..انها مرآة الحاكم
المفضلة، صورته وصوته العابر للجدران، المدن والقارات.. لم يعد بحاجة الى
بورتريه يرسمه فنان هام و ولا يبغي تمثالا قد يشنع بطريقة ما على يد
معارضيه.. له الاعلام الذي يغذي نرجسيته العظيمة ويمد من سلطته الى الجهات
كلها..
اعتقد بان الانتفاضات العربية الاخيرة، والتي لايمكن لها تظل في المنتصف،
بل عليها اكمال الشوط لنهايته، لتتحول الى ثورة تنجز الشروط التي قامت من
اجلها، قد قدمت امثولة عظيمة للكيفية التي تتغير فيها الاشياء خارج المسار
السلطوي الذي وضعت فيه كقدر.. هذه الامثولة هي محط دراسة من قبل الحكام
الذين لم يصلهم الدور بعد، لتلافيها كنهاية قدرية..
ولكن اليس بالاجدر ايضا على النخب المثقفة بان تعيد النظر في الاليات التي
كانت عليها قبل هذه الانتفاضات؟ اليس حريا، القيام بمراجعات تشمل فعل الفن
ذاته، موقعه، حركته، مآلاته؟
لا ادري لماذا تذكرت الان جامعة الدول العربية، وارجو ان لا تعد ذلك طرفة
او خروجا عن الموضوع…اعتقد وبرغم الموت السريري للجامعة، ان لها ان تصحو
قليلا، سمها صحوة الموت، ان شئت.. لو انها نظمت او ساعدت بتنظيم معرض
تشكيلي كل سنتين فسنغفر لها كل تلك الروائح المنبعثة عن تهرؤها، عزلتها
وانغلاق نوافذها.. وما دام وزراء الداخلية العرب هم المشبعون بالسلطة
التنفيذية، الاكثر انتظاما ومواظبة على الاجتماعات و الاكثر نجاحا، فلم لا
يتم تكليفه بادارة وزارات الثقافة ايضا؟؟
قيمة الانظمة الاوربية، رغم اختلاف قياداتها من يسار، يمين او يمين وسط،
بانها كانت تعمل على بناء مؤسسات ثقافية مستقلة عن الحكومات. مؤسسات ترسخت
عبر الوقت والتجربة. نحن مازلنا مستخدم آليات بالية ونريد ان ندخل من
خلالها النادي العالمي الذي يحدث الياته باستمرار.. لدينا عقول هامة، قادرة
على احداث التغييرات المطلوبة ولكنها اما معطلة او خارج دائرة الفعل..
شيخي فان كوخ
ما هي صورة التشكيل العراقي والعربي في الفن العالمي؟
الفنانون، الادباء، المفكرون، العلماء، الثوار الحقيقيون، الرياضيون هم من
يستطيعون تقديم صورة واسم بلدانهم الى العالم.. هل تتذكر الان اسم ملك
هولندا في زمن فان خوخ، فيرمير او في زمن رمبرانت.. اسم امراء المقاطعات
الايطالية في زمن مايكل انجلو، ليوناردو دافنشي، بيرنيني او كارفاجيو؟ اسم
وزير الثقافة في زمن بيكاسو او روثكو؟ اسم الرئيس الارجنتيتي في زمن
غيفارا؟ الامير في زمن الشيخ ابن سينا؟
من يقدم صورة العرب وبالشكل المغاير لما هي عليه عادة في الاعلام العالمي،
هم الفنانون، ودعني اقول التشكيليون والموسيقيون اولا يليهم الادباء ثم
الرياضيون، ذلك لدوام عملهم، انتظامه وانتشاره في بلدان كثيرة.. وطبعا لابد
من الاشارة الى انتفاضات الشباب العربي، قبل ان تسرق الفكرة سلفيا…
بالنسبة لي، فانا اتمثل دائما ومنذ زمن بعيد مقولة الفنان العظيم فان خوخ،
يقول انا اعمل كقاطرة ياللمثابرة الرائعة اعمل كثيرا، اتعلم كثيرا..كنت
اجرب كثيرا ولكني الان اجد اكثر.. ذات يوم زرت احد الكاليريات في مدينة
اوترخت، وتحدثت لصاحب الكاليري عن شروط العرض عنده..كانت لغتي الهولندية،
حينها، سيئة وكنت اطعمها ببعض الانجليزية ولربما قفزت بالاثناء كلمة
عربية..فاجابني بصيغة سؤال، عما اذا كنت اعرف بعض انحاء المدينة جيدا ليصف
لي عنوانا محددا، قلت نعم.. قال يوجد هنالك غاليري يعرض لفن الاجانب؟ فغضبت
وقلت له بادب هنالك اما فن او زبالة؟ واذا كنت تفقه بالفن فعليك مشاهدة
عملي اولا..اعتذر باقتضاب وقال انه لايقصد معنى سلبيا بذلك، لكني خرجت
غاضبا حقا.. لكني اخذت الحادثة بجدية كبيرة وبايجابية التحدي. بعد عامين
حصلت على جائزة افضل عمل فني للسنة، تمنحه اقدم جمعية فنانين في اوروبا،
ولا تبعد هذع الجمعية عن الغاليري كثيرا..بعد استلام الجائزة، ذهبت باتجاه
الغاليري، وصرخت به شكرا لانك ازدت من قدرتي على العناد و التحدي؟ استطعت
بعد ذلك عيور الكثير من التصفيات، وليتم اختيار عملي من بين مئات الاعمال،
وفي اكثر من بلد.
اعرض بشكل منظم، على مدار الخمسة سنة عشرة الاخيرة، ما بين غاليريات رصينة
ومتاحف هامة وما زلت استقبل دعوات للعرض هنا وهناك، واستطيع لقول بان
برنامجي ممتليء.. وصول ذلك لم يكن امرا هينا او مفروشا بالورد او مصادفات
الحظ الجيد، انها القاطرة ياصديقي؟ . وفقا لما نشر بصحيفة زمان .
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للموقع، 
الأحد أبريل 17, 2016 10:04 pm من طرف للنشر