لقد جاءت فكرة مقالة اليوم من قراءتى لكتاب الدكتور سرى نسيبه باللغة الإنجليزية بعنوان الدولة الفلسطينية ماذا تساوى او ماذا تستحق؟ فد يخطأ من يعتقد أن الدولة الفلسطينية ستكون مجرد دولة تقليدية ، بمعنى دولة بأركانها الثلاث الأساسية ولا خلاف عليها نظريا وقانونيا وهى ألأرض ، والسيادة ، والشعب . هذه الأركان الثلات التي لا بد منها لأى دولة ، وكذا للدولة الفلسطينية ، لكنها في القوت ذاته ستكون لها خصوصية ، ووضع ورؤية جديدة تفرضها عوامل كثيرة أهمها عامل الجغرافيا ـ وعامل الزمن والتاريخ ، والبعد الدينى والحضارى لكل المنطقة التي ستقوم عليها دولة فلسطين . قانونيا نريد دولة كاملة العضوية في ألأمم المتحده وهذه العضوية حتى بالنسبة للدول القائمة مجرد بطاقة عضوية اكثر منها واقع سياسى تتمتع به الدول الأعضاء، ونريد دولة كاملة السيادة ، والسيادة في زمن العولمة ، والقوة ليست كاملة ، وحتى الشعب الواحد في زمن المواطنة العالمية والمواطنة الحضارية أصبح اكثر من مواطن يحمل هوية وجوازا وطنيا. الدولة الفلسطينية في زمن الإحتلال قد تكون آخر الدول التي قد تكون نشأتها بفعل الإحتلال . الدولة الفلسطينية قد تكون رؤية سياسية وتاريخية وحضارية وإنسانية أكثر منها دولة بالمعنى الذى تحمله. القانونى والسياسى . وتستمد هذه الرؤية مكوناتها من الواقع التاريخى والحضارى والدينى ، ولا ننسى الواقع الجغرافى الذي يحكم إطار عملها وسيادتها . من هذا المنظور يفترض إن تقدم الدولة الفلسطينية رؤية كاملة ، وتقدم نموذجا في التقدم والديموقراطية والحضارة والرسالة والهدف الذي تحمله.رسالة هذه الدولة وهدفها هى رسالة الأديان والرسل وألأنبياء الذين ميزوا أرضها عن غيرها ، رسالة السلام والتايش ونبذ العنف والكراهية والحقد بين الشعوب ، رسالة تقوم علي المواطنة الواحدة وهى المواطنة السماوية على إعتبار أن كل البشر هم أبناء الله الواحد ولا تمييز بينهم إلا بقدر تمسكهم بهذه المبادئ السماوية الدينية السامية التي تنظم آدمية ألإنسان ، وتقوم على الحوار والتكامل ، وليس الإقصاء ، والإلغاء ، هى رسالة تعمير وبناء وليس رسالة إفناء وحرب. دولة تنهى ذل ألإحتلال البغيض، الذي يقوم فقط علي إهانة آدمية ألإنسان ، وكيف يقبل العالم الذي يدعى التمدن والتمسك بالقيم ألإنسانية أن يرى ويسمع كل يوم كيف يهان وتداس كرامة الإنسان الفلسطينى أمام الحواجز، والإعتقالات اليومية ، وحصار لقمة العيش، دولة تفرج عن كل أسرى الحرية والكرامة الإنسانية ،فكيف لنا إن نرى والعالم معنا هذه الجريمة الإنسانية التي ترقى إلى محاكمة المسؤوليين عنها امام المحاكم الدولية .هذا العدد من الآلآف من هؤلاء ألأسرى الذي يولدون ويموتون في داخل السجون إلإسرائيلية ، وتمارس إسرائيل سياسات المساومة والصفقات التجارية والسياسية بشأنهم، وكأننا أمام نظام جديد من العبودية السياسية في زمن التحولات الديموقراطية وزمن التحرر من العبوديات المطلقة . دولة تعيد الكرامة الوطنية للإنسان الفلسطينى ، وتعيد له الإعتبار كإنسان ومواطن له نفس الحقوق التي يتمتع بها غيره من مواطنى الدول والشعوب الأخرى لأنها تحمل صفة دولة ، دولة تعيد للهوية وللجواز الفلسطينيى قيمته وإحترامه، وتجعل المواطن الفلسطينى يقدم هذا الجواز دون تردد أو خوف ، وتجعله يقول أنا فلسطينى بصوت عال وليس همسا ، وتشعره أنه غير ملاحق بتهمة الإرهاب أو تهمة تعكير سلام وأمن كل الدول، دولة تعيد للطفل الفلسطينى إبتسامته البريئة والنقية من أى حقد وكراهية وتعصب بسبب ألإحتلال ، وسياسات الإذلال التي يتلقاها علي كل منافذ الدول البرية والبحرية والجوية ، وكأن هذا الطفل هو المسؤول عن سلام وأمن العالم بديلا للأمم المتحدة.دولة تكون نموذجا للديموقراطية والتقدم والإنفتاح على كافة ثقافات الشعوب الأخرى وحضارتها ، والإنسان الفلسطينى مؤهل للتكيف والمساهمة والتعايش مع كل هذه الحضارات ، فأرض فلسطين كلها التاريخية كانت أرضا تلتقى وتتفاعل داخلها كل الحضارات والثقافات ألأخرى . وهذه الدولة الديموقراطية هى الكفيلة أن توحد فلسطين التاريخية كلها ، مع التسليم جدلا بديموقراطية إسرائيل كدولة ، فمن خلال التكامل والتعاون والإندماج الديموقراطى يمكن أن نعيش في إطار دولة واحدة.وهذا هو الطريق لإنهاء الصراع والحرب والحقد والكراهية . ولذلك نريد دولة خالية من التعصب الدينى واالأيدولوجى ، دولة تسودها ثقافة السلام والمحبة والتعايش ، ونبذ الإرهاب والعنف ، دولة ميثاقها المحبة الإنسانية ، والإيمان بالمواطنة الواحدة ، وحدودها مفتوحة لكل مواطنى العالم ، دولة تختفى وتزول منها صفة لاجئ، والداخل والخارج والشتات ، دولة تعيد للمواطن الفلسطينية وحدانيته الإنسانية ، وهويته الوطنية ، والحضارية . دولة تعنى الإنتقال إلى دولة الحرية والكرامة والمساواة ، بدلا من الذل والإهانة ، والإبعاد والنفى والملاحقة ، دولة لا يعاقب شعبها كله لو إرتكب أحد مواطنيها وزرا أو عملا منافيا لرسالتها ، وتصوير الأمر وكأن الشعب الفلسطينى كله هو من قام به ، ويعاقب الشعب كله ، وهذا لا يحدث إلا في زمن الإستعمار وإستعباد الشعوب . دولة تنهى سياسة أنتظر انت فلسطينى ، وسياسة انت فلسطينى انت ممنوع ، وسياسة أنت غير مرحب بك لأسباب أمنية نحتفظ بها لدواعة الأمن القومى وأى أمن ، وأى عنصرية ، واى كراهية تركب ضد الشعب الفلسطينى لأنه لا يملك دولة تحاسب الدول الأخرى ، كما هو الحال في التعامل مع مواطنى الدول الأخرى حتى لوكانت صغيرة لكنها غنية .دولة تكون نموذجا للسلام االعالمى ، نموذجا للسلام الإقتصادى بين الشعوب ، دولة لا تنغلق على نفسها ، ولا على حدودها ، دولة تتكامل مع غيرها من الدول المجاورة بما فيها إسرائيل ، دولة تحل محل الحرب والصراع لتفكر في رخاء شعوبها ، وهذا الرخاء لا يمكن أن يتم بدون رؤية تنموية إنسانية كاملة . دولة توقف التعصب الدينى ، والفتاوى الدينية والحاخامية وتستبدلها برؤية جديدة تبحث على البقاء والنماء . عندها ستنتفى كل مبررات وعناصر الدولة التقليدية من حدود وسيادة . هذه مجرد رؤية هى أقرب إلى الحلم ، لكننا من حقنا جميعا إن نحلم وان تكون لدينا رؤية . رؤية تتجاوز حدود المكان والزمان وزمن التعصب والكراهية والحقد.
دكتور ناجى صادق شراب \ استاذ العلوم السياسية \غزة
drnagish@gmail.com