نقد تحليلي لقصيدة : ميلاد فجر
=============
تقول الشاعر آمال يوسف
كتبتها منذ سنوات، ثم أعادتني إليها إرادة الشعب العربي في الحياة، وإصراره على انجلاء الليل
1-مـخـاضٌ جـديــدٌ يـهــزُّ الـعــروشَ= وينبئ فرعـون، كسـرى وقيصـرْ
2-وكـــلَّ الـبـغــاة مِــــن الحـاكـمـيـنَ= بـــأنّ الـظــلام الـطـويـل سـيـدبــرْ
3-فـيـرتـاع فــرعــون، ذاك الـعـتـيـدُ =ويصـرخ:"هـامـان نـكِّــل تـجـبّــرْ
4-أرى وجـهَ مـوسـى بـكـلّ الـوجـوهِ= جـديــداً يـعــود بـنـصــرٍ مــــؤزّرْ
5-فـــلا تـبــقِ طـفــلاً يـهــدّد مـلـكـي =فهـذي الخـلائـقُ بالـمـوت أجــدَرْ"
6-وكسرى يصيح: سأُصْلـي سعيـراً =مَـن اجتـازَ أمـري وبالـنـار يكـفـرْ
7-وصوتٌ من النار يشكو احتضاراً =يقـول: انتظـرْ نـارك اليـومَ تظهـرْ
8-أتـتْ مـن قلـوبٍ أبــتْ كــلَّ ضـيـم = ٍوثـــارت كـبُـركـانِ نـــارٍ تـفـجّــرْ
9-ونــارُ السعـيـر تـحـيـط بـكـسـرى =تصيـح زئيـراً: أنـا الـنـار فانـظُـرْ
10-فـكــلّ الـظــلام الـقـديـم اسـتـحــالَ =ضـيـاءً، حريـقـاً، جحيـمـاً تسـعّـرْ
11-ويــركـــع نـــمـــرودُ لـلـثـائـريــنَ =يُــــــردّدُ: آمـــنـــتُ والله أكـــبــــرْ
12-ويسـري بنيـرونَ صمـتُ القـبـورِ =فـمــا مـــن أغـــانٍ بـلـحـنٍ مـؤثّــرْ
13-وكيـف يُواتيـه لـحـنٌ وصــوتُ = الحقيـقـةِ صــار رعـــوداً تُـزمـجـرْ
14-ومِـن قلـبِ ذاك الـرمـادِ استفـاقـت =طـيــورٌ تُصـلّـيـه جـمــراً وتـثــأرْ
15-فـهـذا حـصـادٌ لِـمــا قـــد زرعـتــمْ =فذوقوا، وما زال فـي الغيـبِ أكثـرْ
16-ألـمْ تسمعوهـا (إذا الشعـبُ يـومـاً) =ألـــم تُـدرِكــوا أنّـــه مَـــن يُــقــرّرْ
17-حـنـانَـيـك ربّـــــي أهـــــذا مــنـــامٌ =أم الــوقـــتُ آن لِــفَــجــرٍ تـــأخّـــرْ
****************************************
اللغويات :
(انجلاء) (إنجلاء)(الصواب ما كتبته الشاعرة : انجلاء بألف وصل )
(البيتان الأخيران) استفهام ينبغي وضع علامة استفهام في آخرهما
الأفكار :
1- نبأ ونتيجة ( من 1 إلى 14)
2- آمال أكبر في المستقبل ( من 15 إلى 17)
توضيح مجمل للأفكار:
* أوردت الشاعرة نبأ سارا بقيام الثورة التي زلزلت كراسي العروش الظالمة لحكام قهروا شعوبهم
بشرت هذه الثورة بانكسار البغي والظلام وقرب مجيء فجر الحرية ،
وراحت تعرض أسباب تلك اليقظة الثورية من تجبر وفساد وقتل واستهانة بأرواح الشعوب
وتهديد ووعيد للثائرين بالويل والثبور ، بينما صمود الثائرين يرهب العتاة الحاكمين ويروعهم
لما ينتظرهم من مصير أسود على جرائمهم ،لقد ثار بركان الحرية من قلوب آمنت بالنصر ورفضت كل ذل ومهانة ،
*فجاءت النتيجة استفاقة ولحنا عذبا يكبر ( الله أكبر)وانتصر الحق ونجحت الثورة .
*ثم تتوج الشاعرة أبياتها بالحديث عن آمال أكبر في المستقبل لهذا الشعب المنتصر فتقول:
(فـهـذا حـصـادٌ.....وما زال فـي الغيـبِ أكثـرْ)((إذا الشعـبُ يـومـاً)(الــوقـــتُ آن لِــفَــجــرٍ تـــأخّـــرْ)
الصور والأخيلة :
تجربة شعرية رائدة تحكي قصة هَبَّةِ الثورة الشعبية العربية في الوطن في صورة كلية رائعة شملت الحركة واللون والصوت في تناسقات بلاغية وصور جزئية متماسكة كالتشبيه والاستعارة والكناية ، كانت الحركة ملموسة بوضوح في ألفاظ اخترتها الشاعرة لتدل على هذا المعنى مثل (يـهــزُّ الـعــروشَ ـ سـيـدبــرْ ـ يـعــود ـ اجتـازَ أمـري ـ ثـــارت كـبُـركـانِ ـ ويــركـــع نـــمـــرودُ ـ يسـري ـ استفـاقـت =طـيــورٌ ـ ـهـذا حـصـادٌ ) وترى الألوان في هذه اللوحة الشعرية متمثلة في ( الـظــلام ـ وجـهَ مـوسـى ـ سعيـراً وبالنار ـ ضـيـاءً ـ الـرمـادِ ـ جـمــراً ـ لِــفَــجــرٍ )
وتسمع لحن الصوت في الصورة الكلية في ألفاظ كثيرة أتت بها الثورة في القصيدة مثل ينبئ ـ ويصـرخ:"هـامـان نـكِّــل تـجـبّــرْ ـ يـهــدّد ـ وكسرى يصيح ـ صوتٌ من النار يشكو احتضاراً =يقـول:ـ
تـفـجّــرْ ـ زئيـراً ـ يُــــــردّدُ ـ أغـــانٍ ـ صوت الحقيقة ـ رعـــوداً تُـزمـجـرْـ ألـمْ تسمعوهـا ؟!!)
جاءت هذه الصورة الكلية من خلال صور جزئية بلاغية كثيرة منها ؛ الاستعارة التصريحية في أول كلمة من النص ( مخاض ) حيث حذفت المشبه وهو ميلاد الثورة معبرة عنه بالمشبه به المخاض وهو مقدمة الميلاد أو وَجعُ الوِلادةِ، ورشحت للصورة باستعارة مكنية في ( تهز العروش ) عندما جعلت الثورة المعنوية القادمة أثرت في عروش الحكام الظالمين وأخافتها ، وهزتها بقوة وهي تبرزقيمة الثورة ، والكناية عن الموصوف في إخبار أول حاكم هزت عرشه الثورة أمثاله من الطغاة بأخبار الخطر القادم وهذه الكناية في الكلمات : ( فرعون وكسرى وقيصر ....) وجاءت بالتصريحية مرة أخرى لتعبر عن الاستبداد والقهر بالظلام ( المشبه به ) نائبا عن عهد الظلم الدكتاتوري للحكام
الأحاسيس والمشاعر :
عاطفة الشاعرة في النص جياشة بالفرحة وانتصار الثورة على الطغاة من الحكام الفراعنة ، والغضب
الثائر عليهم مع بركان الثورة والأمل في مستقبل مشرق حان أوانه . ترى تلك المشاعر بادية من أول النص ؤإلى آخره . وتبدو العاطفة منسمجة مع المواقف في الأبيات فترى الإحساس بالخوف عند الحكام الظلمة وسقوطهم في مظاهر الجبن والتردد والفرار من أمام الثوار بعد محاولات فاشلة من تهديد أو بشاعة الجرم للمحافظة على عروشهم . وهناك التشبيهات نحو ( ثـــارت كـبُـركـانِ نـــارٍ تـفـجّــرْ ـ الـظــلام الـقـديـم اسـتـحــالَ =ضـيـاءً ....إلخ ) الأسلوب والبناء :
تنوع أسلوب القصيدة الشائقة بين الخبري الذي يحتمل الصدق والكذب ، وبين الأسلوب الإنشائي الذي لايحتمل الصدق والكذب ، وجاءت ظاهرة الالتفات من ضمير الغيبة إلى التكلم إلى الخطاب إلى الغيبة مرة أخرى وهذا التنقل اليديع يثير الانتباه واليقظة مع أبيات القصيدة حتى آخر حرف فيها ، واستخدام الحروف الدالة على سرعة حصاد نتيجة الظلم مهما طال الوقت على الظالمين عندما قالت :
فـهـذا حـصـادٌ لِـمــا قـــد زرعـتــمْ =فذوقوا ، مع روعة السخرية في كلمة ( ذوقوا ) ويبدو تأثر الشاعرة بأسلوب القرآن الكريم وألفاظه البلاغية نحو ( هزي إليك بجزع النخلة ) عندما جاء مريم عليها السلام المخاض ، و فرعون وهامان ، وسأصلي سعيرا ....إلخ
الرمزية في النص:
لم تشر القصيدة إلى أسماء الحكام الذين هبت ثورات الحرية لإقصائهم عن الحكم والإعلان عن فسادهم وجرائمهم ، لكنها فضلت أن تضرب لهم أمثالا من الماضي وحكام الظلم والفساد نحو فرعون وكسرى وقيصر وجنودهم كهامان ، وهذا ينبيء عن أخلاق الشاعرة وطيب لسانها وإبداع سخريتها الواضحة
لحكام لاكت الألسنة أسماءهم بالسب والشتم ، لما قاموا به نحو شعوبهم
تعليق ختامي :
اللغة العربية الفصحى قوية في نص القصيدة ، وما جاء من أخطاء لاتتعدى الخطأين يدل على مقدرة الأديبة وتمكنها من اللغة والشعر
فتحية لها على ما عالجت من قضية تعتبر حديث الساعة اليوم على الساحة العربية بإحساس جميل